في الزواريب القديمة لحي المشنقة، أحد أعرق أحياء مدينة السويداء، ينتصب بيتٌ تقليدي أثري كأنه حارس لذاكرة المدينة وأسلوب حياتها في بدايات القرن التاسع عشر. ذلك البيت، المبني من الحجر البازلتي الأسود بمهارة يدوية عالية، يعكس ملامح العمارة الجبلية التي ميّزت المنطقة، ويجسد توازن الإنسان مع بيئته، وخصوصية العيش في مجتمع محافظ ومتجذر في تاريخه.
يتكوّن البيت من طابق واحد، تحيط غرفه بساحة داخلية تُعرف بـالحوش، وهي مركز الحياة اليومية للعائلة. في الوسط بئر ماء قديم، وعلى الأطراف تنتشر الغرف ذات الأقواس والأبواب الخشبية السميكة، المزينة بمسامير حديدية ومفاصل تقليدية. يعلو البيت سقف مقبب، صُمّم لتحمّل تقلبات المناخ الجبلي، ويضم داخله المطوى والمربّع والبيت الكبير، وهي تسميات محلية لغرف النوم والمعيشة التي تُستخدم وفق المواسم والاحتياجات.
في هذا البيت، كانت الحياة تنبض بإيقاع مختلف: نار الحطب في الزاوية، رائحة القمح المخزون في الخوابي، وضجيج الأطفال في الساحة، كلها تفاصيل تُشكل مشهداً حميمياً من حياة الجبل. وقد كان البيت يتسع للعائلة الكبيرة، ويُستخدم كمكان للاستقبال والمضافة، ما يعكس أهمية العلاقات الاجتماعية وكرم الضيافة في المجتمع المحلي.
رغم تغيّر الزمن، لا يزال هذا البيت صامداً، شاهداً على ذوق معماري راقٍ، وبساطة مدروسة تنمّ عن وعي وظيفي وجمالي في آنٍ واحد. واليوم، مع اندثار هذا النمط من البيوت في المدينة الحديثة، تزداد الحاجة إلى حفظ ما تبقى منها كجزء حيّ من الذاكرة المعمارية والاجتماعية للسويداء.
توثيق البيت التقليدي في حي المشنقة هو استعادة لصوت الحياة الذي سكن حجره، ولشكل العيش الذي حافظ على توازن الإنسان مع أرضه، وهويته، ومجتمعه. إنه بيت ليس كغيره… بيت يحمل روح الجبل في كل زاوية منه.