تل القرامل هو موقع أثري بارز يقع على بعد نحو 25 كيلومتراً شمال مدينة حلب، في وادي نهر قويق. بدأت أعمال التنقيب فيه عام 1999م بقيادة بعثة بولندية‑سورية مشتركة، واستمرت حتى عام 2011م، كشفت هذه التنقيبات عن مستوطنة تعود إلى العصر الحجري الحديث قبل الفخاري، وتحديداً بين عامي 10،900 و8،800 قبل الميلاد، مما يجعله من أقدم المواقع المعمارية المكتشفة في العالم.
أحد أبرز الاكتشافات في تل القرامل هو سلسلة من خمسة أبراج حجرية دائرية متعاقبة، بُنيت على مدى قرون، وهي أقدم من برج أريحا الشهير بحوالي ألفي عام. تتراوح أقطار هذه الأبراج بين 6 و7.5 أمتار، وجدرانها بسماكة تصل إلى 2.25 متر، يُعتقد أن هذه الأبراج كانت تُستخدم لأغراض اجتماعية أو دينية، وربما دفاعية، حيث أظهرت بعض الأبراج علامات تعرضها للحرق وإعادة البناء.
إلى جانب الأبراج، تم الكشف عن مبنيين مميزين:
بيت البوكرانية: يحتوي على حفرة تضم أربع جماجم لثيران برية، مما يشير إلى طقوس دينية مرتبطة بعبادة الثيران، وهي ممارسة معروفة في مواقع أخرى من العصر الحجري الحديث.
البيت الجماعي (المزار): مبنى كبير يتألف من ثلاثة أقسام، يُعتقد أنه كان يُستخدم للأنشطة الجماعية أو الطقسية، ويتميز بوجود حنية مع لوحة داخلية.
كشفت التنقيبات عن 23 قبراً تحتوي على رفات 34 فرداً، جميعهم بالغون، تميزت هذه المدافن بظاهرة فصل الجماجم عن الأجساد، مما يشير إلى وجود طقوس مرتبطة بعبادة الجماجم، وهي ممارسة معروفة في مواقع أخرى من العصر الحجري الحديث مثل أريحا وتل أسود.
تل القرامل يُعد شاهداً على تطور العمارة الحجرية والطقوس الدينية في بدايات الاستقرار البشري. تشير الاكتشافات إلى أن المجتمعات الصيادة‑الجامعة كانت قادرة على بناء هياكل معمارية معقدة قبل ظهور الزراعة، مما يغير من الفهم التقليدي لنشأة المجتمعات المستقرة.
يُقترح إدراج الموقع على قائمة التراث العالمي نظراً لأهميته في فهم تطور العمارة والطقوس الدينية في فجر التاريخ البشري.