يرتفع تل دينيت وسط سهل الروج الخصيب، وهو موقع أثري يعبر عن تلاقي حضارات متعددة على مر العصور، حيث شهدت طبقاته الاستيطانية تعاقب الأموريين والآراميين. في عام 2004 كشفت الحفريات عن أساسات قصر مستطيل محاط بجدار لبني سميك، بداخله عُثر على أختام أسطوانية من الحجر الكلسي تحمل رموز إله العاصفة “حدَد”، دلالة واضحة على سلطة دينية تمارسها جماعة أمورية زراعية عاشت في الموقع.
في الطبقات العلوية من الموقع، تظهر آثار حرائق يُرجح ارتباطها بالحملات العسكرية في الألف الثاني قبل الميلاد، مما يعكس تفاعلات سياسية وعسكرية معقدة في المنطقة آنذاك. تعرض الموقع في عام 2014 لتنقيب غير شرعي أدى إلى فقدان بعض اللقى الأثرية، لكن صور الجمعية الأمريكية للبحوث في الشرق الأدنى (ASOR) الجوية ساعدت في توثيق مواقع هذه اللقى بدقة.
توصي الدراسات الأثرية بحفر خندق محيط لتجميع مياه الأمطار حول قاعدة التل، وذلك لمنع تشرب الطبقات الأرضية بالماء والطين الذي قد يؤدي إلى انهيارها. كما تترافق هذه الجهود مع مبادرات مجتمعية مستدامة، حيث يجري التخطيط لشراكة مع مدرسة محلية لإطلاق «برنامج حراس التل»، الذي يُدرّب الطلاب على مراقبة الموقع وتوثيق التغيّرات البيئية والإنشائية عبر تطبيق جوال، مما يعزز الوعي المجتمعي ويجعل السكان المحليين شركاء في حماية التراث الأثري.
تجسد هذه المبادرات نهجاً جديداً في إدارة المواقع الأثرية، يربط بين التكنولوجيا الحديثة ودور المجتمع المحلي في الحفاظ على التاريخ، ليبقى تل دينيت صامداً يحكي قصص حضارات الأموريين والآراميين للأجيال القادمة.