في قلب مدينة صلخد الجنوبية، وعلى أحد المرتفعات التي تشرف على الأزقة القديمة والبيوت المتراصة، يقف جامع صلخد الكبير كأحد أبرز المعالم الدينية والأثرية في محافظة السويداء. يعود تاريخ بناء الجامع إلى العهد الأيوبي أو المملوكي، مع مؤشرات واضحة على إعادة استخدام عناصر معمارية من فترات أقدم، كالبيزنطية والرومانية، ما يجعل منه نموذجاً حيّاً للتراكم الحضاري في عمارة الجبل.
الجامع مشيّد من الحجر البازلتي الأسود الذي يميز معظم مباني المنطقة، ويتميّز ببنائه المتين، وقاعاته الواسعة، وسقفه المقبب المدعوم بأقواس حجرية ذات طابع مملوكي واضح. يحتوي الجامع على مئذنة مربعة الشكل، ترتفع فوق الأبنية المجاورة، وتُعدّ من أبرز معالمه المعمارية، وقد استخدمت قديماً للأذان والمراقبة، مما يعكس الطابع الدفاعي والديني للموقع.
في داخله، ينتصب محراب حجري منحوت بعناية، يجاوره منبر بسيط يدل على تواضع الزخرفة وروح التقشف التي طبعت عمارة المساجد في البيئات الجبلية. الساحة الخارجية كانت مركزاً للتلاقي اليومي بين أبناء المدينة، ومكاناً لتداول العلم والفقه، مما منح الجامع دوراً يتجاوز وظيفته التعبدية إلى كونه مركزاً اجتماعياً وثقافياً.
خلال العصور، شهد الجامع ترميمات متعددة، حافظت على روحه الأصلية مع بعض الإضافات التي تعكس مراحل زمنية مختلفة. ورغم التغيرات العمرانية التي طالت المدينة، لا يزال جامع صلخد الكبير قائماً بكل وقاره، يحاكي صمت الحجر وتاريخ الإنسان في آنٍ واحد.
توثيق جامع صلخد الكبير هو احتفاءٌ بواحد من أعمدة الهوية الروحية والعمرانية للسويداء، وجزء أصيل من ذاكرتها التي تجمع بين الدين، والعلم، والعراقة، والبساطة الجبلية المتجذرة.