حي الجديدة في حلب هو أحد الأحياء التاريخية البارزة، يتميز بأزقته الضيقة المتعرجة، وبيوته ذات الأفنية الداخلية، وكنائسه المزخرفة الغنية، وقصوره التي تعكس الطراز المعماري السوري‑العثماني. نشأ الحي في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، بعد نزوح المسيحيين من المدينة القديمة إثر اجتياح تيمورلنك لحلب عام 1400م، ثم عادوا واستقروا في منطقة خارج الأسوار الشمالية للمدينة، مما أدى إلى تأسيس حي الجديدة.
في نهاية الفترة المملوكية، كان حي الجديدة ضاحية صغيرة تضم بعض المحلات التجارية، وتقع خارج أسوار مدينة حلب من ناحية الشمال، وبالقرب منها مقابر ومخازن. تطور الحي تدريجياً، حيث كان يقع على الطرق التي تربط باب النصر مع القرى شمال المدينة، حتى اندمج حي الجديدة بمدينة حلب. في نهاية القرن الرابع عشر، كان الحي مجهزاً بمساجد ومبانٍ، ومدت إليه قنوات المياه، حيث بُنيت قناة مياه جديدة في عامي 1490-1491، مما ساهم في توسيع حي الجديدة وافتتاح عدد من الحمامات الخاصة فيه.
يُعد حي الجديدة مركزاً للكنائس التاريخية في حلب، حيث توجد معظم الكنائس الحديثة البناء أو الموسّعة حول ساحة فرحات قرب تقاطع الصليبية. من أبرزها:
كاتدرائية الأربعين شهيد الأرمنية المقدسة: تم توسعتها في عام 1490.
كنيسة الروم الأرثوذكس: تعود إلى القرن الخامس عشر.
كنيسة مار إلياس المارونية: بُنيت في عام 1873 على موقع كنيسة أقدم.
كنائس مارونية وسريانية: تعود إلى فترات تاريخية مختلفة.
يضم حي الجديدة عدداً من القصور والمنازل التاريخية التي تحولت إلى متاحف وفنادق ومطاعم، ومن أبرزها:
بيت غزالة: أحد أكبر وأفضل القصور المحفوظ من الفترة العثمانية في حلب، بُني في القرن السابع عشر.
بيت الوكيل: يتميز بفنائه الداخلي وزخارفه المعمارية.
دار زمريا: منزل تقليدي يعكس الطراز المعماري الحلبي.
بيت أجقباش: تحول إلى متحف يعرض الحياة اليومية في حلب القديمة.
بالإضافة إلى بيت صدر، ومنزل السيسي، ودار باسيل، وبيت دلال، وهي منازل تاريخية تعكس التنوع الثقافي والديني في الحي.
تعرض حي الجديدة لأضرار جسيمة خلال الحرب السورية، خاصة في عام 2015م عندما دمرت انفجارات تحت ساحة الحطب أجزاء كبيرة من الحي، ومع ذلك بدأت جهود الترميم في عام 2017م، حيث قامت منظمة اليونسكو بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف بعمل مسح تعاوني عالي الدقة للمعالم الأثرية في المنطقة، لتسهيل حمايتها وإعادة تأهيلها. استمرت عملية إعادة تأهيل ساحة الحطب حتى عام 2018م، وبدأت عمليات إعادة إعمار عدد من العناصر الرئيسية في الحي في عام 2021م.
يُعد حي الجديدة شاهداً على التنوع الثقافي والديني في حلب، ويعكس تاريخ المدينة الغني وتعايش مختلف الطوائف فيها.
