أحد أبرز المعالم التجارية التاريخية التي شكّلت جزءاً أساسياً من ذاكرة المدينة وحركتها اليومية. لا يحمل السوق هذا الاسم عبثاً، بل يعود إلى رصف أرضيته بالبلاط الحجري المنحوت من البازلت، وهو ما ميّزه عن غيره من الأسواق المجاورة، ومنحه طابعاً معمارياً خاصاً ظلّ حاضراً في الذاكرة البصرية لأهالي المدينة.
كان سوق البلاط ملتقى لتجار المدينة وريفها، ومكاناً يومياً يجمع بين البيع والشراء، وتبادل الأخبار، وبناء العلاقات الاجتماعية. محالّه المتراصة، ذات الأقواس الحجرية والسقوف الخشبية، كانت تحتضن أنشطة تجارية متنوعة، من بيع المواد الغذائية والبهارات، إلى الأقمشة والمستلزمات اليومية، مما جعله شرياناً نابضاً في الحياة الاقتصادية للسويداء لسنوات طويلة.
ولعل ما يميز هذا السوق، إضافة إلى جماله العمراني، هو إحساس الناس تجاهه؛ فهو ليس فقط مكاناً للتجارة، بل مساحة حيّة للذاكرة. كان المارّة يعرفون تجار السوق بأسمائهم، وكانت كل زاوية فيه تحمل حكاية: محل ورثه ابن عن أبيه، ركن اعتادت النساء الوقوف فيه لتبادل الأحاديث، وبائع يضع كرسيه عند الباب ليشرب القهوة مع الزبائن.
لكن اليوم، ومع تغيّر نمط الحياة وتحوّل مركز المدينة، تراجع النشاط في السوق، وأُغلقت بعض محالّه أو تغيّر استخدامها. رغم ذلك، لا يزال السوق قائماً بحجارته وسحره، ينتظر من يعيد إليه الحياة، ويرى فيه أكثر من مجرد ممر حجري، بل تراثاً حياً يجب الحفاظ عليه.
توثيق سوق البلاط هو توثيق لمدينة كانت تعرف كيف تمشي على إيقاع البلاط، بهدوء وأناقة. وهو دعوة لإحياء الأمكنة التي لا تزال تحمل في جدرانها صدى خطى الناس الذين مرّوا، وتوقهم للحياة رغم كل شيء.