في قلب مدينة شهبا الأثرية، التي تزخر بتاريخها الروماني العريق، يمتد سوق الصاغة كإحدى العلامات المضيئة لذاكرة المدينة الحديثة. ورغم أن شهبا تشتهر بآثارها الحجرية والمعابد القديمة، إلا أن سوق الصاغة فيها يروي فصلاً آخر من حكاية هذه المدينة، حيث تتقاطع فيه الحِرفة مع الجمال، والتاريخ مع الحياة اليومية.
نشأ السوق قبل عدة عقود، حين بدأ بعض الحرفيين المهرة بصياغة الذهب والفضة في محالّ بسيطة على أطراف السوق المركزي. ومع مرور الوقت، تحوّل إلى مركز متكامل لبيع المصوغات التقليدية، خاصة تلك التي تحمل طابع جبل العرب وتُستخدم في المناسبات الشعبية مثل الأعراس والأعياد.
يمتاز السوق بطابعه المتواضع الذي يعكس روح المدينة، فمحالّه الصغيرة متلاصقة وتغلب عليها اللمسات اليدوية القديمة، بدءاً من عرض القطع في واجهات زجاجية بسيطة، وصولاً إلى جلسات النقاش الهادئة بين الحرفيين والزبائن حول تصاميم الخواتم والعقود، مما يضفي على المكان طابعاً إنسانياً وثقافياً فريداً.
ورغم دخول السوق في العقود الأخيرة في منافسة مع المصوغات الحديثة والمستوردة، إلا أنه ما زال يحافظ على خصوصيته، بفضل الحرفيين المحليين الذين يتوارثون المهنة جيلاً بعد جيل. ولعل أهم ما يميز سوق الصاغة في شهبا هو ارتباطه بالهوية الاجتماعية والثقافية لأهالي المدينة، حيث لا تزال بعض القطع تُصمّم وفق الطراز التقليدي المعروف في الجبل، وتُهدى في المناسبات كرمز للأصالة والاعتزاز بالتراث.
توثيق سوق الصاغة في شهبا لا يُعد فقط حفظاً لمكان، بل هو حفظ لمهنة، لذاكرة، ولنمط حياة كامل ينتمي إلى جذور المكان وروح الناس. إنه إحدى صفحات كنوز سورية التي تستحق أن تُفتح من جديد، وأن تُروى بكل فخر للأجيال القادمة.