في قلب مدينة السويداء، حيث تتقاطع الأزمنة وتتشابك الحكايات، يمتد شارع النجمة الأثري كخط من الضوء عبر التاريخ، شاهداً على تحوّلات المدينة وعراقتها. لا يُعرف الشارع فقط بجماليته المعمارية أو قدمه، بل بما يحمله من رمزية اجتماعية وثقافية جعلت منه واحداً من أبرز معالم المدينة وأكثرها ارتباطاً بالذاكرة الجمعية لأهلها.
سُمّي الشارع بهذا الاسم لتفرّع ممراته وشوارعه الجانبية منه على شكل نجمة، وهو تخطيط قديم يعود إلى العصر الروماني أو البيزنطي، حين كانت المدينة تُبنى وفق نمط عمراني مدروس يراعي الانسياب البصري والحركة التجارية والاجتماعية. رُصف الشارع بالحجارة البازلتية، واصطفّت على جانبيه الأبنية ذات الأقواس الحجرية والمحال التجارية التقليدية، ما جعله شرياناً نابضاً للحياة في العصور الماضية.
كان شارع النجمة نقطة التقاء أساسية بين الأسواق، والمنازل، والمراكز الدينية، والمباني الإدارية، ولا يزال حتى اليوم يحتفظ بأصالته رغم تغلغل الأبنية الحديثة حوله. يسير الزائر فيه وكأنه يعبر طبقات من الزمن؛ في كل زاوية أثر، وفي كل حجر بصمة من مرّوا، من تجار، وناس، وطلاب علم، وحتى ثوار.
رغم مرور الزمن، ما زال الشارع يعبق برائحة الماضي، ويمثل ذاكرة حيّة تنبض بالحياة اليومية، وتستدعي الحاجة الملحّة إلى صونه وإبرازه كموقع أثري وسياحي وثقافي. فليس الشارع مجرّد ممر، بل فضاء عمراني يحكي قصة مدينة تشبّعت بالحضارة واحتضنت في وجدانها كل من عبرها.
توثيق شارع النجمة الأثري هو توثيق لمسار الحياة في مدينة الجنوب، وحفظٌ لما تبقى من معالم تُظهر كيف عاش الإنسان، وتحرّك، وتفاعل في مدينة لا تزال تحفر اسمها على خارطة الذاكرة السورية.
