في مدينة شهبا الواقعة شمال محافظة السويداء، ينتصب المسرح الروماني كواحد من أبهى الشواهد المعمارية على عظمة الحقبة الرومانية في الجنوب السوري. بُني هذا المسرح في القرن الثالث الميلادي في عهد الإمبراطور فيليب العربي، الذي وُلد في شهبا، وحوّلها إلى مدينة رومانية الطابع، تُضاهي مدن الإمبراطورية الكبرى آنذاك.
شُيّد المسرح بالحجر البازلتي الأسود، بأسلوب معماري مهيب يعكس دقة الهندسة الرومانية، حيث يتّسع لما يقارب 4,000 متفرج، تتوزع مقاعدهم على مدرجات نصف دائرية تتجه نحو خشبة العرض. وُضع المسرح ضمن مخطط المدينة الرومانية المتقن، متصلاً بالشارع المستقيم (الكاردو) والمنتدى والمعابد، ما يدل على أهميته في الحياة العامة آنذاك.
لم يكن المسرح مجرد مكان للعروض الفنية، بل كان ساحةً يجتمع فيها الناس للاحتفال، ولحضور المناسبات العامة، ما جعله مركزاً اجتماعياً وثقافياً بامتياز. وتُظهر بقايا الزخارف والأقواس والنقوش المتناثرة حوله حساً فنياً عالياً، يكشف عن ازدهار المدينة خلال تلك الفترة.
رغم تعرّضه لعوامل الزمن والزلازل، لا يزال المسرح صامداً، ويُعدّ اليوم من أبرز المعالم الأثرية في الجنوب السوري، ومقصداً للزوار والباحثين في التاريخ والآثار. وقد استُخدم في السنوات الأخيرة كموقع للعروض الفنية والمهرجانات الثقافية، ما أعاد له جزءاً من روحه الأولى، ولو بشكل رمزي.
إن توثيق مسرح شهبا الروماني ليس مجرد دراسة لحجارة صامتة، بل هو استحضار لمدينة نُقشت في الذاكرة الإمبراطورية، واحتفاء بإرث معماري وثقافي ما زال ينبض بجماله، متحدّياً غبار القرون وتحوّلات الأزمنة.